الاثنين، 14 مارس 2011


هذيان
كنت قد عاهدت نفسي ألا أقترب ثانية من ذلك القلم العنيد ولست أدري مالذي أغراني بأن أنكث  العهد!
ربما لأن الكتابة قد تحولت عندي إلى نوع من الإدمان!
أو ربما لأنه قد نمت بيني وبين ذلك العنيد علاقة لا يفصم عراها حتى الموت!
أو ربما لأنني... لست أدري!
وكما يقولون تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة وإذ بالقلم في يدي والورقة أمامي ورأسي خاوية إلا من ذلك الشيطان الذي يعج بالأفكار!
وأنا أتأمل ما حولي وأستدعي الأفكار كما يستدعي المشعوذ الأرواح إلى أن أفقت على حقيقة مذلة وهي أن الكاتب الحقيقي لا يبحث عما يكتبه وإنما يكتب ما يبحث عنه!
وللحق لست أدري من أين جاءتني هذه الحقيقة العجيبة ولا من أي مقال اقتبستها ولا في أي عقل اختزنتها (حتى لا يظن القارئ أن لها أصلا ثابتا إلا في عقل مبتدعها إن كان له عقل!)
المهم أنني أقنعت نفسي بها وأنا أريد أن أثبت لذلك الشيطان الرابض فوق أفكاري أن الكاتب الحقيقي لا يكتب من أجل إشباع شهوة الكتابة لديه وإنما هي الأفكار تتزاحم في عقله فيضيق بها فتسقط فإذا صادفت أرضا ثابتة استقرت وإلا سقطت سقوط الكرام!
وبعد أن فسرت الماء بعد الجهد بالماء علمت أن ذلك اللعين لن يدرك تلك الحقيقة، ولن يقف على  الفلسفة الكامنة في أعماق ذلك الموقف!
وكدت أجن والدموع في عيني توشك أن تجري فيضانا لا معنى له وأنا أفتش عن تلك الأرض الثابتة  فلا أدري إليها سبيلا!
ثم قررت أن أهدأ قليلا على أمل أن تنساق الأفكار إلى عقلي كما تنساق إلى عقل الكاتب الحاذق بلا استدعاء...
ثم قررت أن أدعوها دعاء الصديق...
ثم دعاء القريب...
ثم دعاء الحبيب...
ثم دعاء الملح اللطيف...
ثم دعاء الملح العنيف...
ثم عقدت العزم على أن أسوقها سوق البعير!
فكتبت عن رجل خرج من داره عقب أذان الفجر فسمع أنينا ضعيفا لم يدرك كنهه... ولم أدركه معه!
ثم كتبت عن طفلة صغيرة... يتيمة... خرجت إلى الدنيا لا تعرف أباها ثم ماتت أمها فلم تعرف مصيرها... ولم أعرفه معها!
بعدها كتبت عن جندي في أرض القتال لا يدري لقتاله سببا ولا يرى له هدفا فيقرر أن ينتحر ثم يتوقف... لا لشيء إلا لأنني لم أعرف ماذا أكتب عندها!
ولكن ذلك العنيد لم يهدأ ولم يكف عن إذلالي وعن إرغامي بأن أعترف بأن أفكاري قد نضبت وأقلامي قد جفت وأنني ما عدت قادرة على الكتابة والتأليف.
وأخذت أسوق إلى عقلي أفكارا من أرض الواقع تغريني أن أكتب عنها وتراودني فأهم بها ثم ترى البرهان فتذهب عني وأنا أعوذ بالله أن أدركها!

صفية الصاوي
(حرر في يناير 2009م)







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق