الخميس، 14 أبريل 2011

أَمْسِكْ عليكَ مواعظك!


 أَمْسِكْ عليكَ مواعظك!
بينما أنا في حالة من التيه والشرود أمام واقع الحياة إذ فاجأتني رائحة دخان! أفقت من تيهي وشرودي –على غير العادة- وأنا أشعر بشيء من القلق –على غير العادة كذلك- أخذت أتتبع مصدر الدخان، وإذ بدأت بالسعال أدركت أنني أصبحت على مقربة من مصدره! وللعجب فقد فوجئت به يخرج من باب غرفتي! وفي غمضة عين لم تنتبه كنت في وسط الغرفة أنظر في ذهول إلى قريبي البالغ من العمر ثلاثة أعوام وهو يضع بعض الأوراق في مدفأة الغرفة ليحرقها! ألجمتني الصدمة لحظات معدودة حملت بعدها قريبي وخرجت أجري به بعيدا عن الدخان خوفا عليه –وعلى نفسي- من الاختناق. أغمضت عيني زمنا يسيرا في محاولة مني لاستعادة السيطرة على أعصابي حتى لا أصرخ في وجه الصغير المسكين! وبعد أن هدأت –قليلا- قلت له في هدوء مصطنع: ماذا كنت تفعل؟ ولأن هذا الجيل يختلف تماما عن جيلنا المسالم المداهن الموادع؛ لم أفاجأ عندما قال في لهجة الواثق من نفسه، العارف بطبيعة الأمور: لقد كنت أحرق أمي! توقف عقلي عن التفكير فقلت: وماذا يفترض بهذا أن يعني؟! فقال لي: أردت الخروج من البيت فأغلقت أمي الباب بالمفتاح وعندما أردت الخروج من "الشباك" عاقبتني! فقمت بكتابة اسمها على هذه الأوراق ثم أحرقتها، وأشار إلى بقايا الأوراق المهترئة التي لايزال ممسكا بها في زهو وانتصار... تلاعبت بي مشاعر متضاربة فلم أدر هل أضحك أم أبكي وأنا أحاول جهدي استيعاب ما يحدث، أسماء... أوراق... نار ودخان! لا أذكر أنني رأيت شيئا كهذا في أي من برامج الأطفال التي أشاهدها سرا!
أفقت على صوت "الصغير" وهو يقول: هل أنت غاضبة مني؟ وقبل أن تأخذني إحدى مواعظي التي لا تنتهي أضاءت في عقلي فكرة قررت ألا أدعها تنطفأ فقلت وقد بدت في عيني نظرة شيطانية: انتظرني ولا تتحرك سأعود إليك بعد عشر دقائق... دخلت غرفتي، أغلقت الباب بالمفتاح، مرة، ثم مرة، حدثت نفسي: ولم لا؟! أمسكت بالقلم قاصدة تلك الورقة البيضاء التي أعددتها سلفا لإحدى لوحاتي وبدلا من ذلك أخذت أعدد بعض الأسماء في ذهني وأخطها فوق الورقة، وما أن انتهيت حتى مشيت نحو المدفأة بخطوات مدروسة وقد عقدت العزم على إحراق تلك الورقة، رميت بالقلم، طويت الورقة قذفت بها فسقطت... على الأرض، أطرقت خجلا: ماذا دهاني؟!
 أسماء... أوراق... نار ودخان... تحرقني... يخنقني... ثم أدَّعي أنني انتصرت!
فتحت الباب... "مرة ثم مرة"، عدت إلى "الصغير" نظرت إليه، جلست إلى جانبه، ابتسمت له... أمسكت عليّ مواعظي!  


صفية الصاوي
(حرر في مايو 2000م)

السبت، 2 أبريل 2011

راشيل!!!


راشيل!!! 

كنت قد انتقلت حديثا إلى تلك المدرسة بالولايات المتحدة الأمريكية فاستطعت –كعادتي- أن أندمج مع كل ما حولي من جنسيات
متعددة وديانات متناقضة وتصرفات لا منطقية!
شدت انتباهي، فتاة تجلس وحيدة صامتة وواجمة، اقتربت منها، سلمت عليها فلم ترد السلام! ابتسمت لها ثم ابتعدت، ربما لا تحب الغرباء! مضت الأيام  وأنا أحاول فك طلاسم ذلك الوجه الشرقي الملامح ولكن دون جدوى، إلى أن فوجئت بها ذات يوم تقترب مني وفي صوت هادئ بالكاد استطعت أن أسمعه حيتني قائلة: "شالوم"، حاولت ألا تبدو الصدمة على  وجهي فسارعت برسم ابتسامة "ديموكتورية" على شفتي وأنا أرد تحيتها بالمثل: "شالوم"، ابتسمت لابتسامتي ثم جلست بجانبي صامتة واجمة –كعادتها-، وكانت هذه البداية...
مضت الأيام واقتربت نهاية العام وازداد صمت (راشيل) ووجومها... ووجومي.
وأخيرا قررت أن أسألها -بدافع من الرغبة في الخروج من مراسم الحداد التي أصبحت تبدو على كلتينا-: (راشيل) من أنت؟ واستطاعت (راشيل) أن تدرك السؤال المستتر تحت غطاء السؤال الساذج فسكتت، وأطرقت برأسها وبقيت على هذه الحال بضع دقائق حـتى ظننت أنها قد غابت عن الوعي، وطالت المدة وازداد قلقي فأخذت أهزها وأصرخ بها حتى رفعت رأسها ونظرت إلي...
لقد كانت  تبكي...
صامتة في حضرة الدموع انتظرت قليلا حتى تهدأ ثم أمسكت بيدها -على كره مني- وأنا أقول: لا بأس عليك يا (راشيل) كل شيء سيكون على ما يرام!
وبعد صمت دام طويلا بدأت راشيل في الكلام: أنا لست أدري من أنا، "ما" أنا...
إسرائيلية؟ مصرية؟ يهودية؟ مسلمة؟ لست أدري!!!
أبي مصري مسلم، وأمي إسرائيلية يهودية، اشتعلت بينهما جذوة الحب ثم انطفأت، فعادت أمي إلى إسرائيل وعاد أبي إلى مصر وبقيت أنا؛ ابنة متبناة لأسرة أمريكية مسيحية!!!
فمن أنا؟ "ما" أنا؟ لست وحدك من تسألين يا "صديقتي"، فإذا صادف يوما وعلمت الجواب فأخبريني...
اقشعر بدني إذ دعتني "صديقتي"... عذرا (راشيل) لست صديقتك! هكذا حدثتني نفسي وأنا أفكر: حقا تسألين؟!
انصرفت (راشيل) وبقيت أنا في مكاني وحيدة صامتة... وواجمة أتقلب بين صفحات التاريخ.     


صفية الصاوي
حرر في (يونيو 1998م)