الاثنين، 9 مايو 2011

حكاية جديدة

حكاية جديدة


كنت أقضي بضعة أيام في دار جدي؛ تلك الدار التي تحكي كل زاوية من زواياها حكاية عني!
حكايات يمتزج فيها الأمل بالألم...
والسعادة بالشقاء!
استيقظت قبيل الفجر
تلفت حولي
مشيت على حذر
تعثرت في طريقي إلى أقرب مفتاح للضوء...
  استطعت أن أرى؛ 
الأبواب موصدة
الأنوار مطفأة
والجميع نيام.
أما هو فكان مستيقظا كعادته يصلي صلاة الليل. 
اقتربت من غرفته
استمعت إليه يقرأ القرآن بصوت ندي
دمعت عيناي.
كان في السابعة عشرة من عمره، محبا للخير يغمر الحنان جوانبه، يريد -لو استطاع- أن يبسم لكل شيء
يعشق الرضا ويتلمسه في كل ناحية وفي كل مظهر من مظاهر الحياة
يود لوكانت الحياة منبسطة هادئة لا عوج فيها ولا نتوء
يصطدم بالواقع فيحار ويتألم
وقد يغضب وقد ينفعل... وقد يسخر ويهدد بالانتقام
ولكنه مع ذلك يحتفظ بخيره وحنانه...
تركت العنان لدموعي وأسندت ظهري إلى باب الغرفة أنتظر أن يفرغ من صلاته.
فجأة اغتيل الليل وانكسر الباب الخارجي للدار، واستبيحت حرماته بأسلحة بيضاء وأضواء ملتهبة. استيقظ كل من في الدار فزعا مصدوما، صرخت سيدة الدار إذ لم تتح لها الفرصة لتستر من الغرباء، أفاق أحد النائمين على ضوء ملتهب يحرق وجهه ثم عينيه فأغشي عليه من شدة الخوف.
كان قد فرغ من صلاته ففتح باب الغرفة وقد بدت على وجهه ابتسامة الرضا، كان يعلم أنهم قد أتوا لأجله وكان في انتظارهم. تقدم في خطى ثابتة متجها بحديثه نحونا: لا بأس عليكم!
وضعت يدي في جيبي، أخرجت مصحفي، شددت به على يده فشد عليه ثم انصرف وقد وضع الحديد في يديه واقتيد في رحلة مجهولة.
لم يسمحوا لي أن أطبع قبلة على خده، لم يسمحو لي أن أنظر نظرة في عينيه لأدعي أن كل شيء سيكون على ما يرام! سألت جدي: من هؤلاء؟ فجاءني الصمت ردا على جوابي!
خرجوا من الدار فعادت الدار إلى سكونها.
كان الجميع لا يزال غارقا في صدمته.
أما أنا فكان مصيري إلى إحدى زوايا الدار لتحكي عني حكاية جديدة.

صفية الصاوي
(حرر في ديسمبر 1996م)