الاثنين، 26 ديسمبر 2011

الوَهْم!


الوَهْم!



لا شك أن كل ما نفعله في حياتنا إنما نرنو به إلى هدفٍ واحد،

وغايةٍ لا ثاني لها... السعادة

سر الوجود!

ذلك السر الذي لم يزلْ يعبثُ بعقول الفلاسفة 

ويلهبُ قرائحَ الشعراء... ويؤرقنا

فنختلف عليه ثم نجتمع

ثم نفكر فيه

ثم نسعى نحوه 

ثم يراوغنا 

ثم نراوغه!

ثم يدركنا الوهم... ثم لا"ندركه!"

 
صفية الصاوي



الخميس، 23 يونيو 2011

راية العبث

راية العبث



عندما نكبر يحلو لنا أن نعبث بالصغار

 كما كان يعبث بنا الكبار عندما كنا صغارا...

قد يبكي الصغار فنرانا مجبورين على أن نكف عن العبث حتى لا نرهق

أنفسنا بصوت بكائهم.

 وفي زحمة العبث لا نلتفت إلى أولئك الصغار الذين يتألمون في صمت

ويبكون على استحياء!

 وتمضي الأيام... ويعتاد الصغار على الألم ويكفون عن البكاء، فلم يعد

للألم أثر يذكر ولم يعد للبكاء وجود!

وتمضي السنون... ولم يعد للصغار وجود!

فالصغار الآن أصبحوا كبارا، والكبار يتسلمون راية العبث، والحياة

تستمر... أو لا تستمر! 


صفية الصاوي (حرر في مارس 1994م) 

الثلاثاء، 7 يونيو 2011

لكن حمزة لا بواكي له!


لكن حمزة لا بواكي له!
إلى شهيد الكرامة حمزة الخطيب

 
تتعثر الكلمات حين أصوغها متنازعًا عليها بين الألم والغضب! فلا عجب أن تخرج عن النص! ولا عجب أن تتخلف عن السياق! ولا عجب أن يشوب المفردات بعض التوتر وكثير من الاضطراب! ولا عجب أن يتحول الغضب إلى ثورة حادة، والألم إلى عاصفة مزمجرة!
ولا عجب أن أعود إلى الوراء ألفا أفتش عن عمر وأنادي المعتصم: مَنْ للأرامل واليتامى والثكالى ومَنْ... لحمزة؟!
مَنْ لصبي في الثالثة عشرة من عمره جارٍ على المألوف في الصبيان، مِنْ تأثر عقولهم ونفوسهم بما يرون ويسمعون ويشعرون؟!
رأى الأحرار من أهله يتعرضون للأذى ويُحْكَمُون بالدم، وسمع ادعاءات نظام القمع والوحشية... وشعر بالغضب.
أراد أن يصبح رجلًا، وأراد أن يشارك في تظاهرة يوم الغضب، في بلدة الجيزة مسقط رأسه بالقرب من درعا الصامدة مع المشاركين لفك الحصار عن المدينة.
وخرج حمزة... واعتقل حمزة... وقتل حمزة... ولم يكتف الجلاد بقتله فبدت على جسمه آثار التعذيب وطلقات الرصاص؛ واحدة اخترقت ذراعه واستقرت في خاصرته اليسرى وأخرى في اليمنى وثالثة في صدره!
جريمة نكراء تعجز مفردات اللغة عن وصفها! وويل لمن تولوا كبرها من
يوم يوقفون فيه على ربهم.
 {ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء}
ولعل لعنتها تعجل بانهيارهم وتأتي على بنيانهم من القواعد، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا.

صفية الصاوي (حرر في  مايو 2011م)

الاثنين، 9 مايو 2011

حكاية جديدة

حكاية جديدة


كنت أقضي بضعة أيام في دار جدي؛ تلك الدار التي تحكي كل زاوية من زواياها حكاية عني!
حكايات يمتزج فيها الأمل بالألم...
والسعادة بالشقاء!
استيقظت قبيل الفجر
تلفت حولي
مشيت على حذر
تعثرت في طريقي إلى أقرب مفتاح للضوء...
  استطعت أن أرى؛ 
الأبواب موصدة
الأنوار مطفأة
والجميع نيام.
أما هو فكان مستيقظا كعادته يصلي صلاة الليل. 
اقتربت من غرفته
استمعت إليه يقرأ القرآن بصوت ندي
دمعت عيناي.
كان في السابعة عشرة من عمره، محبا للخير يغمر الحنان جوانبه، يريد -لو استطاع- أن يبسم لكل شيء
يعشق الرضا ويتلمسه في كل ناحية وفي كل مظهر من مظاهر الحياة
يود لوكانت الحياة منبسطة هادئة لا عوج فيها ولا نتوء
يصطدم بالواقع فيحار ويتألم
وقد يغضب وقد ينفعل... وقد يسخر ويهدد بالانتقام
ولكنه مع ذلك يحتفظ بخيره وحنانه...
تركت العنان لدموعي وأسندت ظهري إلى باب الغرفة أنتظر أن يفرغ من صلاته.
فجأة اغتيل الليل وانكسر الباب الخارجي للدار، واستبيحت حرماته بأسلحة بيضاء وأضواء ملتهبة. استيقظ كل من في الدار فزعا مصدوما، صرخت سيدة الدار إذ لم تتح لها الفرصة لتستر من الغرباء، أفاق أحد النائمين على ضوء ملتهب يحرق وجهه ثم عينيه فأغشي عليه من شدة الخوف.
كان قد فرغ من صلاته ففتح باب الغرفة وقد بدت على وجهه ابتسامة الرضا، كان يعلم أنهم قد أتوا لأجله وكان في انتظارهم. تقدم في خطى ثابتة متجها بحديثه نحونا: لا بأس عليكم!
وضعت يدي في جيبي، أخرجت مصحفي، شددت به على يده فشد عليه ثم انصرف وقد وضع الحديد في يديه واقتيد في رحلة مجهولة.
لم يسمحوا لي أن أطبع قبلة على خده، لم يسمحو لي أن أنظر نظرة في عينيه لأدعي أن كل شيء سيكون على ما يرام! سألت جدي: من هؤلاء؟ فجاءني الصمت ردا على جوابي!
خرجوا من الدار فعادت الدار إلى سكونها.
كان الجميع لا يزال غارقا في صدمته.
أما أنا فكان مصيري إلى إحدى زوايا الدار لتحكي عني حكاية جديدة.

صفية الصاوي
(حرر في ديسمبر 1996م)


الخميس، 14 أبريل 2011

أَمْسِكْ عليكَ مواعظك!


 أَمْسِكْ عليكَ مواعظك!
بينما أنا في حالة من التيه والشرود أمام واقع الحياة إذ فاجأتني رائحة دخان! أفقت من تيهي وشرودي –على غير العادة- وأنا أشعر بشيء من القلق –على غير العادة كذلك- أخذت أتتبع مصدر الدخان، وإذ بدأت بالسعال أدركت أنني أصبحت على مقربة من مصدره! وللعجب فقد فوجئت به يخرج من باب غرفتي! وفي غمضة عين لم تنتبه كنت في وسط الغرفة أنظر في ذهول إلى قريبي البالغ من العمر ثلاثة أعوام وهو يضع بعض الأوراق في مدفأة الغرفة ليحرقها! ألجمتني الصدمة لحظات معدودة حملت بعدها قريبي وخرجت أجري به بعيدا عن الدخان خوفا عليه –وعلى نفسي- من الاختناق. أغمضت عيني زمنا يسيرا في محاولة مني لاستعادة السيطرة على أعصابي حتى لا أصرخ في وجه الصغير المسكين! وبعد أن هدأت –قليلا- قلت له في هدوء مصطنع: ماذا كنت تفعل؟ ولأن هذا الجيل يختلف تماما عن جيلنا المسالم المداهن الموادع؛ لم أفاجأ عندما قال في لهجة الواثق من نفسه، العارف بطبيعة الأمور: لقد كنت أحرق أمي! توقف عقلي عن التفكير فقلت: وماذا يفترض بهذا أن يعني؟! فقال لي: أردت الخروج من البيت فأغلقت أمي الباب بالمفتاح وعندما أردت الخروج من "الشباك" عاقبتني! فقمت بكتابة اسمها على هذه الأوراق ثم أحرقتها، وأشار إلى بقايا الأوراق المهترئة التي لايزال ممسكا بها في زهو وانتصار... تلاعبت بي مشاعر متضاربة فلم أدر هل أضحك أم أبكي وأنا أحاول جهدي استيعاب ما يحدث، أسماء... أوراق... نار ودخان! لا أذكر أنني رأيت شيئا كهذا في أي من برامج الأطفال التي أشاهدها سرا!
أفقت على صوت "الصغير" وهو يقول: هل أنت غاضبة مني؟ وقبل أن تأخذني إحدى مواعظي التي لا تنتهي أضاءت في عقلي فكرة قررت ألا أدعها تنطفأ فقلت وقد بدت في عيني نظرة شيطانية: انتظرني ولا تتحرك سأعود إليك بعد عشر دقائق... دخلت غرفتي، أغلقت الباب بالمفتاح، مرة، ثم مرة، حدثت نفسي: ولم لا؟! أمسكت بالقلم قاصدة تلك الورقة البيضاء التي أعددتها سلفا لإحدى لوحاتي وبدلا من ذلك أخذت أعدد بعض الأسماء في ذهني وأخطها فوق الورقة، وما أن انتهيت حتى مشيت نحو المدفأة بخطوات مدروسة وقد عقدت العزم على إحراق تلك الورقة، رميت بالقلم، طويت الورقة قذفت بها فسقطت... على الأرض، أطرقت خجلا: ماذا دهاني؟!
 أسماء... أوراق... نار ودخان... تحرقني... يخنقني... ثم أدَّعي أنني انتصرت!
فتحت الباب... "مرة ثم مرة"، عدت إلى "الصغير" نظرت إليه، جلست إلى جانبه، ابتسمت له... أمسكت عليّ مواعظي!  


صفية الصاوي
(حرر في مايو 2000م)

السبت، 2 أبريل 2011

راشيل!!!


راشيل!!! 

كنت قد انتقلت حديثا إلى تلك المدرسة بالولايات المتحدة الأمريكية فاستطعت –كعادتي- أن أندمج مع كل ما حولي من جنسيات
متعددة وديانات متناقضة وتصرفات لا منطقية!
شدت انتباهي، فتاة تجلس وحيدة صامتة وواجمة، اقتربت منها، سلمت عليها فلم ترد السلام! ابتسمت لها ثم ابتعدت، ربما لا تحب الغرباء! مضت الأيام  وأنا أحاول فك طلاسم ذلك الوجه الشرقي الملامح ولكن دون جدوى، إلى أن فوجئت بها ذات يوم تقترب مني وفي صوت هادئ بالكاد استطعت أن أسمعه حيتني قائلة: "شالوم"، حاولت ألا تبدو الصدمة على  وجهي فسارعت برسم ابتسامة "ديموكتورية" على شفتي وأنا أرد تحيتها بالمثل: "شالوم"، ابتسمت لابتسامتي ثم جلست بجانبي صامتة واجمة –كعادتها-، وكانت هذه البداية...
مضت الأيام واقتربت نهاية العام وازداد صمت (راشيل) ووجومها... ووجومي.
وأخيرا قررت أن أسألها -بدافع من الرغبة في الخروج من مراسم الحداد التي أصبحت تبدو على كلتينا-: (راشيل) من أنت؟ واستطاعت (راشيل) أن تدرك السؤال المستتر تحت غطاء السؤال الساذج فسكتت، وأطرقت برأسها وبقيت على هذه الحال بضع دقائق حـتى ظننت أنها قد غابت عن الوعي، وطالت المدة وازداد قلقي فأخذت أهزها وأصرخ بها حتى رفعت رأسها ونظرت إلي...
لقد كانت  تبكي...
صامتة في حضرة الدموع انتظرت قليلا حتى تهدأ ثم أمسكت بيدها -على كره مني- وأنا أقول: لا بأس عليك يا (راشيل) كل شيء سيكون على ما يرام!
وبعد صمت دام طويلا بدأت راشيل في الكلام: أنا لست أدري من أنا، "ما" أنا...
إسرائيلية؟ مصرية؟ يهودية؟ مسلمة؟ لست أدري!!!
أبي مصري مسلم، وأمي إسرائيلية يهودية، اشتعلت بينهما جذوة الحب ثم انطفأت، فعادت أمي إلى إسرائيل وعاد أبي إلى مصر وبقيت أنا؛ ابنة متبناة لأسرة أمريكية مسيحية!!!
فمن أنا؟ "ما" أنا؟ لست وحدك من تسألين يا "صديقتي"، فإذا صادف يوما وعلمت الجواب فأخبريني...
اقشعر بدني إذ دعتني "صديقتي"... عذرا (راشيل) لست صديقتك! هكذا حدثتني نفسي وأنا أفكر: حقا تسألين؟!
انصرفت (راشيل) وبقيت أنا في مكاني وحيدة صامتة... وواجمة أتقلب بين صفحات التاريخ.     


صفية الصاوي
حرر في (يونيو 1998م) 
                 

الجمعة، 18 مارس 2011

أحصاه الله ونسوه...


أحصاه الله ونسوه...



في غمرة العمر المضيع أكثره هباء... تنساق بنا آلاف المواقف؛ يمر بعضها مرورا عاديا لا يلتفت إليه، ويمر بعضها مرورا يترك أثرا في نفوسنا، وكثير منها... قد لا يمر!        
أذكر أنه كانت لنا رفيقة أصابها ذات يوم وجع في رأسها، ولأن "وجع الرأس" في بلادنا  أمر عادي لم نعط للأمر أهمية كبرى واكتفينا بإعطائها بعض الأدوية والمسكنات ونحن على يقين بأن الأمر لا يتجاوز حد "الوجع العادي" غير أننا فوجئنا بصديقتنا تبكي من شدة الألم ثم لم يلبث بكائها أن تحول إلى شهقات وأنين سقطت بعدها مغشيا عليها! ومع هول المفاجأة ذهبنا بها إلى أقرب مشفى، وهناك استقبلنا طبيب الطواريء –وهو طبيب امتياز على أغلب  الظنون- وبعد الفحص انتهى به التشخيص إلى أنها "حالة نفسية" وأنه لا جدوى من بقائها بالمشفى.   
        ولما كنا نرى من حالها فقد خرجنا بها محمولة على أعناقنا نحو مشفى آخر، وبعد إجراء اللازم، تبين أنها تعاني من نزف بالمخ. غير أن القائمين على المشفى رفضوا استقبالها حتى يتم إنهاء كافة الإجراءات "المادية"، كانت حالة رفيقتنا قد أخذت في التدهور شيئا فشئا فلم نجد بدا من أن ننقسم إلى فريقين؛ الأول يتحرك في سبيل تأمين المادة اللازمة والثاني يتحرك "سريعا" نحو مشفى ثالث، وانتهى بنا المطاف في إحدى مستشفيات الجامعة وهناك فوجئنا بأن رفيقتنا قد دخلت في غيبوبة كاملة أدخلت على أثرها إلى (الرعاية المركزة) ليتم بعد ذلك استدعاء    أهلها...                                                                   
وقف الأطباء عاجزين عن التشخيص والدواء ستة أيام... ستة أيام ورفيقتنا في غيبوبة كاملة! بعدها انقسم الأطباء ما بين مؤيد ومعارض فالأول يرى بقاءها على الأجهزة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا والثاني يرى  تركها حتى تعبر بسلام، ثم جاء دورنا... كان الأمر في حاجة إلى حل فاصل وحكم راجح فارتأى الأطباء الاستعانة "بآكابر" الأطباء للنظر في أمر المريضة فأخذنا نبحث ونسأل حتى اهتدينا إلى ثلاثة من الأطباء الأول كان هاتفه (مرفوعا من الخدمة) والثاني كان هاتفه "رافضا للخدمة" أما الثالث فكان لنا معه شرف هذا الحوار...
نحن "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
الطرف الآخر "وعليكم"
نحن "دكتور (......)؟"
الطرف الآخر "مين عاوزه؟"
نحن "والله احنا كنا عايزين نستشير حضرته في حالة مستعجلة"
وعندها صرخ بنا "عايزين تستشيروني في حالة الساعة اتناشر بالليل؟؟؟!!!!!!!!"
فعلمنا أنه الطبيب...
نحن "والله يا دكتور احنا آسفين جدا إن احنا بنكلم حضرتك في الوقت ده بس أصل صاحبتنا في غيبوبة بقالها أكتر من ست أيام والدكاترة في المستشفى عايزين ياخدوا رأي حضرتك في حالتها لأنها اتأخرت قوي وخايفين نستنى لبكرة الوقت مايسعفناش"
هو "وأنا هعملكوا إيه الساعة اتناشر بالليل؟؟؟!!!!!!!!"
ولما استغلق بنا، ولم نجد إلا أن نعتذر ثم ننسحب صرخ بنا للمرة الثانية "استنوا! هيا حالتها إيه بالظبط؟" فبدأنا في شرح الحالة ليقاطعنا قائلا "اخلصوا أنا عايز أدخل أنام"
وعندما حاولنا الإيجاز بقدر الإمكان صرخ بنا للمرة الثالثة "بقولكوا إيه خلو حد بيفهم يكلمني" وانتهى الحوار ووضعنا سماعة الهاتف وقلوبنا تنزف دما وقد سقط في أيدينا ونحن لا ندري ماذا بعد...
فلم يعد بعد اللجوء إلى الأسباب واستنفادها إلا اللجوء إلى رب الأسباب لاستنفاذها ولم يعد إلا الدعاء.
 وقضينا ليلة ليلاء نتأرجح فيها ما بين اليأس والرجاء حتى جاء أمر الله وانتقلت الحبيبة إلى رحمة الله فاصطفاها إلى جواره عزيزة كريمة!
وكأنا بالموت كان أرحم بها! وكأنا بالموت كان أحنى عليها! فارتجفت قلوبنا لاستقبال الخبر ولم نجد إلا الدموع متنفسا والصبر مخرجا.
فاحتسبناها عند الله وودعناها صامدين، حتى خرجوا بها فأسلموها وقلوبنا لا تكف عن النزف وعيوننا لا تكف عن البكاء ولا يزال يتردد في آذاننا: {يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد}
أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد...
أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد...

صفية الصاوي 
(حرر في إبريل 2008م)

الأربعاء، 16 مارس 2011

عفوًا أبي!


عفوًا أبي!
لأسباب عديدة تراكمت على مر السنين؛ اصطبغت كتاباتي بلون رمادي مائل قليلا نحو السواد، وللحق فلم يكن ذلك يعنيني
إذ كان قلمي أصدق صادق يعبر عما بداخلي، فمنذ أول عهدي بالكتابة وأنا لا أستطيع أن أكتب إلا ما أشعر به فكان أن 
نضح ما بداخلي على ما بخارجي فجاءت كتاباتي على النحو الذي ذكرت!
وفي مرة من المرات قرأ أبي –وكان خارج البلاد وقتها- مقالا لي نشرته إحدى الصحف المصرية وتداولته الشبكة 
"العنكبوتية" أيام ثورة 25 يناير 2011م –وكان هذا أول مقال أكتبه بعد أن اعتزلت الكتابة فترة من الزمن لأسباب معينة-  
المهم أنني فوجئت بأبي يتصل بي من عبر البحار والأنهار والمحيطات ويقول بلهجة حاول أن تبدو طبيعية: ادخلي الآن على 
(الإنترنت) أريد أن أتحدث إليك صوتا وصورة. ونظرا لأنني أعرف أبي جيدا فقد عرفت من نبرة صوته أن الأمر يتجاوز حد 
الشوق المعهود من الوالد لولده، فقمت من فوري ودخلت على (الإنترنت)، وبعد السلام التقليدي والتحية الدبلوماسية 
وجدت أبي ينظر إلي نظرة حزينة ويقول في صوت احتقن من شدة التأثر: أي نوع من المقال هذا الذي كتبت؟! فاصطنعت 
 البلاهة وأنا أقول: أي مقال يا "بابا"؟
فاستشعرت من وراء كلماته التي جاءت بعد ذلك انفجارا وشيكا إذ قال: مقالك عن الثورة.
فسألته صادقة –وأبي يعرف جيدا متى أصطنع البلاهة ومتى أكون صادقة-: ما به؟!
فأجابني وقد بدأ صوته يعلو قليلا –وهو أمر نادرا ما يحدث-: من أين جئت بكل هذا التشاؤم؟! أرأيتني يوما أكتب بهذه 
الطريقة؟! وأنا الذي ربيتك لتكوني وريثتي...
وبعد حوار دام طويلا استمعت إليه وأنا أشعر بذنب عظيم – لأنني خذلت أبي وحطمت أحلامه التي نمت بداخله وما أن حان قطافها حتى وجد أنها قد ذبلت-  قمت من فوري -وقد عقدت العزم على أن أكفر عن ذنبي- فأمسكت بالقلم وقذفت به 
 فوق الورق لأكتب عن السعادة والتفاؤل والأمل...
وأغمضت عيني أستدعي الصور في خيالي، أرتبها وأزينها وأهدهدها وأدللها، وبقيت على هذا الحال أكثر من ساعة، بعدها قمت –كعادتي- بمراجعة ما كتبت:
عفوا أبي لم أجد ما أكتبه!!!

صفية الصاوي
(حرر في مارس 2011م)
 

الاثنين، 14 مارس 2011

يا مصطفى أذقني طعم الحرية!


يا مصطفى أذقني طعم الحرية!


 إلى شهيد الحرية مصطفى الصاوي

أتتحدثين إلى نفسك؟!
لا يا "ماما" أنا أتحدث إليه!
رمقتني شزرا، خرجت وأغلقت الباب...
وأمام شاشة "الكمبيوتر" وتحديدا أمام صفحة "اليوتيوب"، وأكثر تحديدا أمام ذلك المشهد الذي تم التقاطه للشهيد مصطفى الصاوى بالمشرحة عند سقوطه شهيدا في ميدان التحرير -أيام ثورة الشباب- أثر تلقيه عشرات الرصاصات في صدره، عدت ثانية إلى ذلك الحوار:
 سامحني يا أخي فليس بيدي!
ليس بيدي أن صادفت الثورة وجودي خارج البلاد، كنت لأخرج معك، أحمي ظهرك، أحمل مصحفك أتناول معك العهود على الصمود حتى النصر... أو الشهادة، ولكني لم أتركك فقد كنت معك بقلبي، وعيني على شاشة التلفاز أتابع لحظة بلحظة صياغة التاريخ لصفحةٍ جديدة، صفحة كتبتها أنت بدمائك...
صفحة الحرية!
الحرية يا مصطفى، ولا أقصد الحرية التي يتحدث عنها الشارع بجلاء الحاكم وسقوط النظام! ولكن أقصد الحرية  التي تجعلك تتنفس!
وأنت الآن تتنفس!
شغف عجيب يتملكني منذ الصغر بمشاهدة التسجيلات  التي كانت تنقل عبر موجات الأثير من ساحات القتال، فبعيدا عن أجواء الحرب المزعجة وساحات القتال الدامية كانت الحياة تبدو للنظرة الأولى عادية طبيعية، هذا هنا هذا هناك! إلا شيئا واحدا، فهؤلاء يستطيعون التنفس لأنهم يدركون معنى الحرية بينما نحن لا نستطيع...
الحرية يا مصطفى!
ذلك الكيان المعنوي المجهول...
 استطعت أنت فك طلاسمه!
ذات يوم سألني أحد المفكرين أن أصف له الحرية كما أراها، وقتها أعجزني الرد، وهل رأيت  الحرية يوما حتى أصفها؟!
كان الأديب طه حسين يقول: إن الحرية حرية القول والعمل ومع احترامي للأديب أراني أختلف معه، وهل الحرية أن أترك نفسي وهواها؟!  أقول ما أشاء ساعة أشاء! أفعل ما أريد ساعة أريد! عقيدتي نفسي ومبدأي هواي!
يتحدثون عن الحرية ولم يعرفوها، ولكن أنت يا مصطفى... أنت عرفتها!
وفي ميدان التحرير انكسر القيد...
وبكينا حزنا، بكينا ألما، بكينا غضبا...وبكينا فرحا!
وإذ بي أنظر إليك، إلى وجه جمدت على شفتيه ابتسامة العارف بالحرية، وبكيت على حالي وأنا أتمتم من بين شفاه راجفة: يا مصطفى أذقني طعم الحرية. 


صفية الصاوي
(حرر في فبراير ٢٠١١م)















هذيان
كنت قد عاهدت نفسي ألا أقترب ثانية من ذلك القلم العنيد ولست أدري مالذي أغراني بأن أنكث  العهد!
ربما لأن الكتابة قد تحولت عندي إلى نوع من الإدمان!
أو ربما لأنه قد نمت بيني وبين ذلك العنيد علاقة لا يفصم عراها حتى الموت!
أو ربما لأنني... لست أدري!
وكما يقولون تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة وإذ بالقلم في يدي والورقة أمامي ورأسي خاوية إلا من ذلك الشيطان الذي يعج بالأفكار!
وأنا أتأمل ما حولي وأستدعي الأفكار كما يستدعي المشعوذ الأرواح إلى أن أفقت على حقيقة مذلة وهي أن الكاتب الحقيقي لا يبحث عما يكتبه وإنما يكتب ما يبحث عنه!
وللحق لست أدري من أين جاءتني هذه الحقيقة العجيبة ولا من أي مقال اقتبستها ولا في أي عقل اختزنتها (حتى لا يظن القارئ أن لها أصلا ثابتا إلا في عقل مبتدعها إن كان له عقل!)
المهم أنني أقنعت نفسي بها وأنا أريد أن أثبت لذلك الشيطان الرابض فوق أفكاري أن الكاتب الحقيقي لا يكتب من أجل إشباع شهوة الكتابة لديه وإنما هي الأفكار تتزاحم في عقله فيضيق بها فتسقط فإذا صادفت أرضا ثابتة استقرت وإلا سقطت سقوط الكرام!
وبعد أن فسرت الماء بعد الجهد بالماء علمت أن ذلك اللعين لن يدرك تلك الحقيقة، ولن يقف على  الفلسفة الكامنة في أعماق ذلك الموقف!
وكدت أجن والدموع في عيني توشك أن تجري فيضانا لا معنى له وأنا أفتش عن تلك الأرض الثابتة  فلا أدري إليها سبيلا!
ثم قررت أن أهدأ قليلا على أمل أن تنساق الأفكار إلى عقلي كما تنساق إلى عقل الكاتب الحاذق بلا استدعاء...
ثم قررت أن أدعوها دعاء الصديق...
ثم دعاء القريب...
ثم دعاء الحبيب...
ثم دعاء الملح اللطيف...
ثم دعاء الملح العنيف...
ثم عقدت العزم على أن أسوقها سوق البعير!
فكتبت عن رجل خرج من داره عقب أذان الفجر فسمع أنينا ضعيفا لم يدرك كنهه... ولم أدركه معه!
ثم كتبت عن طفلة صغيرة... يتيمة... خرجت إلى الدنيا لا تعرف أباها ثم ماتت أمها فلم تعرف مصيرها... ولم أعرفه معها!
بعدها كتبت عن جندي في أرض القتال لا يدري لقتاله سببا ولا يرى له هدفا فيقرر أن ينتحر ثم يتوقف... لا لشيء إلا لأنني لم أعرف ماذا أكتب عندها!
ولكن ذلك العنيد لم يهدأ ولم يكف عن إذلالي وعن إرغامي بأن أعترف بأن أفكاري قد نضبت وأقلامي قد جفت وأنني ما عدت قادرة على الكتابة والتأليف.
وأخذت أسوق إلى عقلي أفكارا من أرض الواقع تغريني أن أكتب عنها وتراودني فأهم بها ثم ترى البرهان فتذهب عني وأنا أعوذ بالله أن أدركها!

صفية الصاوي
(حرر في يناير 2009م)