الأربعاء، 16 مارس 2011

عفوًا أبي!


عفوًا أبي!
لأسباب عديدة تراكمت على مر السنين؛ اصطبغت كتاباتي بلون رمادي مائل قليلا نحو السواد، وللحق فلم يكن ذلك يعنيني
إذ كان قلمي أصدق صادق يعبر عما بداخلي، فمنذ أول عهدي بالكتابة وأنا لا أستطيع أن أكتب إلا ما أشعر به فكان أن 
نضح ما بداخلي على ما بخارجي فجاءت كتاباتي على النحو الذي ذكرت!
وفي مرة من المرات قرأ أبي –وكان خارج البلاد وقتها- مقالا لي نشرته إحدى الصحف المصرية وتداولته الشبكة 
"العنكبوتية" أيام ثورة 25 يناير 2011م –وكان هذا أول مقال أكتبه بعد أن اعتزلت الكتابة فترة من الزمن لأسباب معينة-  
المهم أنني فوجئت بأبي يتصل بي من عبر البحار والأنهار والمحيطات ويقول بلهجة حاول أن تبدو طبيعية: ادخلي الآن على 
(الإنترنت) أريد أن أتحدث إليك صوتا وصورة. ونظرا لأنني أعرف أبي جيدا فقد عرفت من نبرة صوته أن الأمر يتجاوز حد 
الشوق المعهود من الوالد لولده، فقمت من فوري ودخلت على (الإنترنت)، وبعد السلام التقليدي والتحية الدبلوماسية 
وجدت أبي ينظر إلي نظرة حزينة ويقول في صوت احتقن من شدة التأثر: أي نوع من المقال هذا الذي كتبت؟! فاصطنعت 
 البلاهة وأنا أقول: أي مقال يا "بابا"؟
فاستشعرت من وراء كلماته التي جاءت بعد ذلك انفجارا وشيكا إذ قال: مقالك عن الثورة.
فسألته صادقة –وأبي يعرف جيدا متى أصطنع البلاهة ومتى أكون صادقة-: ما به؟!
فأجابني وقد بدأ صوته يعلو قليلا –وهو أمر نادرا ما يحدث-: من أين جئت بكل هذا التشاؤم؟! أرأيتني يوما أكتب بهذه 
الطريقة؟! وأنا الذي ربيتك لتكوني وريثتي...
وبعد حوار دام طويلا استمعت إليه وأنا أشعر بذنب عظيم – لأنني خذلت أبي وحطمت أحلامه التي نمت بداخله وما أن حان قطافها حتى وجد أنها قد ذبلت-  قمت من فوري -وقد عقدت العزم على أن أكفر عن ذنبي- فأمسكت بالقلم وقذفت به 
 فوق الورق لأكتب عن السعادة والتفاؤل والأمل...
وأغمضت عيني أستدعي الصور في خيالي، أرتبها وأزينها وأهدهدها وأدللها، وبقيت على هذا الحال أكثر من ساعة، بعدها قمت –كعادتي- بمراجعة ما كتبت:
عفوا أبي لم أجد ما أكتبه!!!

صفية الصاوي
(حرر في مارس 2011م)
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق