السبت، 2 أبريل 2011

راشيل!!!


راشيل!!! 

كنت قد انتقلت حديثا إلى تلك المدرسة بالولايات المتحدة الأمريكية فاستطعت –كعادتي- أن أندمج مع كل ما حولي من جنسيات
متعددة وديانات متناقضة وتصرفات لا منطقية!
شدت انتباهي، فتاة تجلس وحيدة صامتة وواجمة، اقتربت منها، سلمت عليها فلم ترد السلام! ابتسمت لها ثم ابتعدت، ربما لا تحب الغرباء! مضت الأيام  وأنا أحاول فك طلاسم ذلك الوجه الشرقي الملامح ولكن دون جدوى، إلى أن فوجئت بها ذات يوم تقترب مني وفي صوت هادئ بالكاد استطعت أن أسمعه حيتني قائلة: "شالوم"، حاولت ألا تبدو الصدمة على  وجهي فسارعت برسم ابتسامة "ديموكتورية" على شفتي وأنا أرد تحيتها بالمثل: "شالوم"، ابتسمت لابتسامتي ثم جلست بجانبي صامتة واجمة –كعادتها-، وكانت هذه البداية...
مضت الأيام واقتربت نهاية العام وازداد صمت (راشيل) ووجومها... ووجومي.
وأخيرا قررت أن أسألها -بدافع من الرغبة في الخروج من مراسم الحداد التي أصبحت تبدو على كلتينا-: (راشيل) من أنت؟ واستطاعت (راشيل) أن تدرك السؤال المستتر تحت غطاء السؤال الساذج فسكتت، وأطرقت برأسها وبقيت على هذه الحال بضع دقائق حـتى ظننت أنها قد غابت عن الوعي، وطالت المدة وازداد قلقي فأخذت أهزها وأصرخ بها حتى رفعت رأسها ونظرت إلي...
لقد كانت  تبكي...
صامتة في حضرة الدموع انتظرت قليلا حتى تهدأ ثم أمسكت بيدها -على كره مني- وأنا أقول: لا بأس عليك يا (راشيل) كل شيء سيكون على ما يرام!
وبعد صمت دام طويلا بدأت راشيل في الكلام: أنا لست أدري من أنا، "ما" أنا...
إسرائيلية؟ مصرية؟ يهودية؟ مسلمة؟ لست أدري!!!
أبي مصري مسلم، وأمي إسرائيلية يهودية، اشتعلت بينهما جذوة الحب ثم انطفأت، فعادت أمي إلى إسرائيل وعاد أبي إلى مصر وبقيت أنا؛ ابنة متبناة لأسرة أمريكية مسيحية!!!
فمن أنا؟ "ما" أنا؟ لست وحدك من تسألين يا "صديقتي"، فإذا صادف يوما وعلمت الجواب فأخبريني...
اقشعر بدني إذ دعتني "صديقتي"... عذرا (راشيل) لست صديقتك! هكذا حدثتني نفسي وأنا أفكر: حقا تسألين؟!
انصرفت (راشيل) وبقيت أنا في مكاني وحيدة صامتة... وواجمة أتقلب بين صفحات التاريخ.     


صفية الصاوي
حرر في (يونيو 1998م) 
                 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق